الأربعاء، 31 مارس 2021

أهمية دراسة التراجم والسير للدعاة إلى الله تعالى.

 

أهمية دراسة التراجم والسير للدعاة إلى الله تعالى

 

أرسل الله إلى الناس رسُلًا يهدونهم إلى الصراط المستقيم، والدين القويم، وختمهم بسيد الأنبياء سيدنا محمد صلوات الله عليه، فبلَّغ صلى الله عليه وسلم رسالة ربه أحسن ما يكون البلاغ، وأدى أمانة الدين أحسن ما يكون الأداء، ثم حمل الأمانة من بعده رجالٌ اصطفاهم الله، واختارهم لتبليغ دينه، ووراثة نبيه الخاتم صلى الله عليه وسلم، وظلَّتْ هذه السلسلة تتواصل إلى يوم الناس هذا، وإلى أن يشاء الله تعالى.

وإذا كان كل شيء يَشرف بمتعلقه، فإن وظيفة الدعوة تصدر عن اختيار رباني، ووراثة للنبوة الخاتمة؛ وذلك لقول صاحبها صلى الله عليه وسلم: ((إن العلماء ورثة الأنبياء))[1].

 

لهذا استحقت الدعوة الإسلامية هذا الشرف المجيد، واستحق المشتغلون بها تكريمًا خاصًّا، ومِن هنا يجب على الدعاة الاهتمام بسِير وتراجم العلماء العاملين، والدعاة المهتدين، والوقوف على جهودهم الدعوية، من أجل أن يكونوا نبراسًا يضيء للأمة طريقها، وبخاصة حين تكون في أَمَسِّ الحاجة لأولئك الدعاة، ولا شك أن ذكر الدعاة وسِيَرهم يَشحذ الهِمة ويقوي العزيمة؛ لأن النفس الإنسانية تميل إلى المحاكاة؛ قال تعالى: ﴿ وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾ [هود: 120].

 

ومن فوائد الوقوف على تراجم العلماء وسيرهم بالنسبة إلى الدعاة:

1- تربية شباب الصحوة الإسلامية على ما تربى عليه العلماء الأعلام؛ حتى ينسج الشباب على منوالهم، فيقرأ سِيرهم مَن لم يعاين صورهم، ويشاهدَ محاسنهم من لم يعاصرهم، فيَعرِف مناصبهم ومراتبهم، فيَجِدَّ في الطلب؛ ليلحق بهم ويتمسك بهديهم[2].

يقول الشيخ أحمد مصطفى فضلية: (ولا شك أن الاهتمام بسير العلماء فيه خيرٌ كثير للشبيبة المؤمنة؛ ليجدوا في حياة العلماء خير قدوة وأسوة بعد نبينا الأعظم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا خُلق عظيم اهتمَّ به العلماء جيلًا بعد جيل، فكان لأُمتنا المسلمة دون غيرها من الأمم هذا الكم الهائل من كتب التراجم التي تُعد دليلًا على غناها بالعلماء، ممن لهم مواقف مشهودة في الدفاع عن دين الله)[3].

 

2- قلة العلماء العاملين؛ حيث (إننا في أزمنة غابرة متأخرة، عزَّ فيها العلماء العاملون؛ فدراسة تراجم العلماء الأعلام والأئمة الكرام، تُعوِّض شيئًا من النقص، وتَجبر شيئًا من هذا الفقر)[4].

 

3- إن دراسة التاريخ بعامة، وتاريخ الدعاة بخاصة، لهو خير مُعين للداعية في سلوك طريق الدعوة إلى الله تعالى؛ لأن التاريخ يمثل ذاكرة الأمة.

 

4- لا شك أن إعداد الدعاة إلى الله باب واسع يشتمل على جوانب متعددة، ومسالك متنوعة، ومراحل مختلفة، منها الإعداد العلمي والخُلقي، والإعداد التربوي المستَمَد مِن عدة روافد، من بينها تراجِم العلماء؛ حيث تبرز القدوة الطيبة العملية، ويتسنَّى لهم إكمال ما بدؤوا، والاقتداء بهم في خير ما فعلوا[5].

 

5- إحياء منهج الدعاة الصالحين إلى الله، وإلقاء الأضواء على جهودهم الدعوية قولًا وكتابة، وتجلية أبرز جوانب الاقتداء بهم، من خلال سِيرهم وأخبارهم - ضرورة دعوية للاقتداء والاعتبار.

 

6- لكل علم من العلوم أركانٌ يقوم عليها، وعلم الدعوة يقوم على أربعة أركان رئيسة، لا قيام للدعوة بفِقدان أحدها: داعٍ - مدعو - موضوع الدعوة - مناهجها ووسائل تبليغها.

 

ومِن هنا تتضح صلة الموضوع بتخصص الدعوة على وجه العموم، وبعلم تاريخ الدعوة وسير الدعاة إليها على وجه الخصوص، ومِن ثَم تُصبح الحاجة ماسَّة لدراسة تلك الشخصيات العلمية الدعوية؛ لتكون موضع الأُسوة وغرس الأخلاق الفاضلة عن طريق التراجم: (تراجم الرجال مدارس الأجيال) فالمرء يستفيد الخير من قراءة سير أهل الخير، فإذا قرأ سيرة كريم تنبَّه إلى أهمية الكرم، وإذا قرأ سيرة شجاع تنبَّه إلى أهمية الشجاعة، وإذا قرأ سيرة زاهد أدرَك أهمية الزهد، وإذا قرأ سيرة وَرِعٍ تنبَّه إلى أهمية الورَع، وإذا قرأ سيرة داعية أو آمِرٍ بالمعروف ناهٍ عن المنكر، تنبَّه إلى أهمية ذلك في حياة الإنسان، وإذا قرأ سيرة عالم محقِّق تنبَّه إلى أهمية العلم في حياة الإنسان...، ولربما حاسَب نفسه عند قراءته تلك السِّيَر على تلك المعاني، وأخذ نفسه بها، واكتسبها سيرةً وخُلقًا في حياته)[6].

ولا شك أننا نرى ذلك واضحًا من خلال سلوكيات الصحابة رضوان الله عليهم، ومدى تأثرهم بالنبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا نماذجَ تُحتذى، وآثارًا تُقتفى، وسِيرًا تُقدَّم للناشئة المسلمة؛ ليحاكوا السلف الصالح في أفعالهم.

 

7- أن الرحمات تتنزل عند ذِكر الصالحين، وهم القوم لا يَشقى جليسهم؛ جاء في كتاب: (فوائد الارتحال ونتائج السفر في أخبار القرن الحادي عشر): (إن الاشتغال بنشر أخبار فضلاء العصر - ولو بتواريخهم - من علامات سعادة الدنيا والآخرة؛ إذ هم شهود الله في أرضه، وبذكر الله ينزل الرضوان، وبذكر رسوله تَنزل المحبةُ، وبذكر الصالحين تنزل الرحمة، وهم في السعادة جلساءُ مَن ذكرَهم، ومَن أحبَّ شيئًا أكثر مِن ذكره، ويُرجى لمن أرَّخ لجماعة أن يَشفع السعيد منهم للشقيِّ)[7].

 

وفي النهاية أختم بقول الشيخ علي بن عبدالله الزهراني في مقدمة كتابه: (مواقف إيمانية من حياة الصالحين)؛ حيث يقول: (لا شك أن الاطلاع على سير الصالحين، ومعرفة أخبار المتقين، وآثار الطائعين - له في النفس آثار مدهشة، وعلامات بيِّنة، وآيات واضحة؛ فهو يحيي القلوب الميتة، ويُزيل قسوتها، ويزيل الصدأ الذي تراكَم عليها، ويُشعل في النفوس جَذوة الإيمان، ويصد عنها كيد الشيطان، ويُلَيِّنُها لطاعة الرحمن، ويُذهب عنها ما تراكَم عليها مِن غبار الغفلات، وما تعاقَب عليها مِن صدِّ الشهوات، وما علِق بها مِن شُؤم الخطيئات، فيعود إليها بريقُها الذي خبَت أنوارُه، وصفاؤها الذي مُحِيَت آثاره...)؛ ا.هـ[8].



[1] سنن ابن ماجه، باب فضل العلماء والحث على طلب العلم، وسنن أبي داود، باب فضل العلم، وسنن الترمذي، كتاب العلم.

[2] من أعلام السلف؛ د. أحمد فريد، ط2، دار العقيدة، 2010م، ص8.

[3] العلامة موسى لاشين حياته وجهوده في خدمة الإسلام، إعداد الشيخ: أحمد مصطفى فضلية؛ تقديم د. عبدالستار فتح الله سعيد، ط دار القدس - 1429هـ -2009م، ص29.

[4] من أعلام السلف؛ د. أحمد فريد، ص9، مرجع سابق.

[5] رسالة ماجستير بعنوان: (الشيخ معوض عوض إبراهيم حياته وجهوده في الدعوة إلى الله تعالى)؛ للباحث: محمد حسني عمران، ص7.

[6] الأخلاق الفاضلة قواعد ومنطلقات لاكتسابها؛ عبدالله بن ضيف الرحيلي، مطبعة سفير، ص133.

[7] فوائد الارتحال ونتائج السفر في أخبار القرن الحادي عشر؛ تأليف مصطفى بن فتح الله الحمودي، دار النوادر، دمشق، ط1، 1432هـ - 2011م، ص36.

[8] مواقف إيمانية من حياة الصالحين؛ للشيخ علي بن عبدالله الزهراني، إصدار موقع قصة الإسلام.



رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/119378/#ixzz6qdc31bQR

مشكلة البطالة وعلاجها في الإسلام

مشكلة البطالة

وعلاجها في الإسلام

 

من خصائص شريعة الإسلام أنها استوعبت كافة قضايا الحياة، وسائر جوانبها، وهي امتداد شمل قضايا الزمن المتجدد، فليست مقصورة على فترة زمنية أو رقعة مكانية، يحتاجها الناس على اختلاف أنواعهم؛ لأنهم يجدون فيها الدواء النافع، والعلاج الناجع، فلا يوجد داء إلا وله في شريعة الإسلام دواء.

 

ومن هذه المشكلات التي تعترض حياة الناس، وتؤثر عليها سلبًا من الناحية الاقتصادية، والاجتماعية، والنفسية مشكلة البطالة.

فما مفهوم البطالة، وما أنواعها، وما آثارها، وما علاج الإسلام لها؟

 

أولًا: مفهوم البطالة:

كل من هو قادر على العمل وراغب فيه، ويبحث عنه، ويقبله عند مستوى الأجر السائد، ولكن دون جدوى[1].

 

ثانيًا: أنواع البطالة:

معظم الدراسات التي تناولت قضية البطالة قسمتها باعتبارات عديدة من زوايا مختلفة، من أهم الأنواع:

1 - البطالة الإجبارية.

2 - البطالة المقنّعة. [2]

 

ثالثًا: الآثار والنتائج المترتبة على البطالة:

تعد مشكلة البطالة من أخطر المشكلات التي تواجه المجتمع لما لها من آثار خلقية ونفسية، واقتصادية، واجتماعية وسياسية على مستوى الفرد والمجتمع.

 

الآثار الاجتماعية:

للبطالة آثار اجتماعية منها:

♦ ارتفاع معدل الجريمة:

ظاهرة البطالة من أقوى العوامل المهيئة لمناخ الجريمة والانحراف (ويربط علماء الاقتصاد بين الجريمة والدورات الاقتصادية: ففي فترات الكساد تزداد البطالة والفقر وبالتالي تكثر الجرائم، وفي دراسة اتضح أن 25% من أطفال المناطق الفقيرة يجنحون للجريمة، بينما لا تتجاوز هذه النسبة 1% في الدول الغنية.

كما بينت دراسة أخرى أن الحاجة إلى المال كانت الدافع وراء 68.9% من جرائم العاطلين)[3].

 

♦ التفكك الأسرى:

لا شك أن الفراغ يصيب نفس العاطل بضرر نفسي فيتجه نحو العنف تجاه الأبناء والزوجات، بسبب التكاليف المادية الملقاة على عاتقه فتكثر الخلافات مما يؤدي إلى الطلاق، وتفكك الأسرة.

 

♦ عمالة الأطفال:

الأزمات الاقتصادية تتسبب في تسريب عدد كبير من التعليم مما يدفع بالأطفال إلى سوق العمل في سن مبكرة لاسيما إذا كانت الأسرة فقيرة، بدعوى عدم جدوى التعليم.

 

الآثار الخلقية والنفسية:

تمثل البطالة عاملًا مساعدًا للانحراف الخلقي، والاضطراب النفسي، للفراغ الذي يشعر به العاطل.

ومن هذه الآثار[4]:

♦ انتشار السرقة.. لأن الفقر سبب في عجز الراغبين عن سد احتياجاتهم، وسبب في عجزهم عن الزواج بالوجه المشروع.

♦ تعاطي المخدرات.

♦ انتشار الرشوة.

♦ انتشار النصب والاحتيال.

♦ الغش والتزييف والتزوير.

♦ الإلحاد: وهذا من أخطر الآثار النفسية للبطالة، فالملحد وجد فراغًا زمنيًا وعقليًا، بحيث أصبح مهيَّأً لتلقي الأفكار الإلحادية بسهولة.

 

الآثار الاقتصادية:

♦ تؤدي البطالة إلى حرمان الاقتصاد القومي من مساهمات جانب من موارده المتاح وبالتالي انخفاض حجم الناتج القومي المحتمل.

♦ تضخم ظاهرة التكدس الوظيفي وعمل الشباب بأنشطة هامشية.

♦ انتشار ظاهرة الفقر وانخفاض القوة الشرائية للأفراد.

♦ تفاقم ظاهرة الركود التضخمي.

 

الآثار السياسية:

♦ ضعف الانتماء للوطن.

♦ التطرف والعنف.

♦ ضعف المشاركة السياسية.

 

رابعًا: علاج الإسلام للبطالة.

واجه الإسلام مشكلة البطالة بعدة وسائل:

♦ الدعوة إلى العمل وبيان فضله:

حث الإسلام على العمل ودعا إليه، وقاوم الكسل ولم يرتضيه مسلكًا للمسلم، وصحح مفهوم التوكل على الله وأنه لا يتعارض مع قانون الأخذ بالأسباب.

قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ (سورة الملك الآية:15).

فالعمل يعد جهادًا في سبيل الله؛ لذا ربط الله بينه وبين من خرج مجاهدًا.

فقال تعالى: ﴿ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ (سورة المزمل. الآية:20).

 

♦ توجيه الطاقات المعطلة واستثمارها:

ينبغي استثمار الثروة البشرية وإيجاد فرص للقادرين، وتأهيل العاطلين، وإعدادهم لسوق العمل.

كما وجه النبي – صلى الله عليه وسلم - الأنصاري الذي جاء يسأله وهو يقوى على العمل والإنتاج. عن أنس (أن رجلاً من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه و سلم فسأله فقال: أما في بيتك شيء؟ قال: بلى، حِلس نلبس بعضه ونبسط بعضه وقعب نشرب فيه من الماء قال: ائتني بهما فأتاه بهما فأخذهما رسول الله صلى الله عليه و سلم بيده فقال: من يشتري هذين؟ قال رجل: أنا آخذهما بدرهم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: من يزيد على درهم مرتين أو ثلاثاً؟ قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين فأعطاهما إياه وأخذ الدرهمين فأعطاهما للأنصاري وقال: اشتر بأحدهما فانبذه إلى أهلك واشتر بالآخر قدوماً فائتني به فأتاه به فشد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عوداً بيده ثم قال: اذهب فاحتطب وبع فلا أرينك خمسة عشر يوماً ففعل فجاءه وقد أصاب عشرة دراهم فاشترى ببعضها ثوباً وببعضها طعاماً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة إن المسالة لا تصلح إلا لثلاث: لذي فقر مدقع أو لذي غرم مفظع أو لذي دم موجع )[5].

 

يقول الأستاذ عبدالقادر المطري: ويجمع هذا الحديث عدة فوائد منها:

لم يعالج الرسول صلى الله عليه وسلم السائل المحتاج بالمعونة المادية الوقتية فقط.
لم يعالج الرسول صلى الله عليه وسلم المشكلة بالوعظ المجرد والتنفير من المسألة.
جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الآلية يعالج مشكلته بنفسه وبشكل ناجح.
تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم للرجل السائل وللبشرية بضرورة استغلال الموارد المتاحة وإن صغرت في حجمها أو نوعها.
إرشاد الرسول صلى الله عليه وسلم الرجل للعمل الذي يناسب شخصيته وقدرته، ومهارته وظروفه والبيئة التي يعيشفيها.
أعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم فترة زمنية خمسة عشر يوماً ليعرف مدى ملاءمة هذا العمل للرجل، وهل يحتاج لعمل آخر أم لا.
هيأ الرسول صلى الله عليه وسلم له ظروف العمل وآلته عندما أخذ الآلة وشدها بحبل
أوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفس الرجل روح المبادرة للعلم وتحدي الصعاب.
أصبح هذا الرجل صاحباً لمشروع صغير بلغة العصر الحديث). [6]

 

♦ المحافظة على المال ودوام استثماره وتنميته.

♦ إحياء ما دعا إليه الفقه الإسلامي من (المضاربة).

♦ إنشاء المشروعات الصغيرة والحرفية.

♦ دور الزكاة في سد احتياجات العاجزين عن الكسب.



[1] البطالة مشكلة لا يعرفها الإسلام - أحمد محمد عبدالعظيم الجمل ص23.

[2] رسالة ماجستير بعنوان: مشكلة البطالة فى مصر ودور المنهج الإسلامي في معالجتها – الباحث/ حلمي محمود سلامة قنديل - جامعة الأزهر – كلية التجارة – قسم الاقتصاد. ص20

[3] المرجع السابق ص24

[4] رسالة ماجستير: البطالة الأسباب والمخاطر المترتبة عليها ومنهج الإسلام فى معالجتها (دراسة فقهية مقارنة) – الباحث/ سيف الإسلام حسين عبدالباري - ص437ومابعدها.

[5] أخرجه أبوداود – كتاب الزكاة – باب ما تجوز فيه المسألة رقم: (1641).

[6] - مقال بعنوان : كيف عالج الإسلام البطالة؟ بقلم: عبد القادر المطري- شبكة الإنترنت تاريخ الاطلاع: 4/11/2017م الساعة الحادية عشر مساء.



حرمة سفك الدماء في الإسلام

حرمة سفك الدماء في الإسلام


لقد شدَّد الإسلام في الحفاظ على النفس البشرية وحُرمتها، وجاءت التشريعات في ذلك عامة تشمل كلَّ إنسان، وما كان ذلك إلا لأن الله كرَّم الإنسان وفضَّله على سائر المخلوقات.

 

وبقليل من التأمل في نصوص القرآن والسنة، تجد أن النهي عن سفك الدماء بغير حق، ووضعُ العقوبات لذلك في الدنيا والآخرة، اتخذ مناحيَ عديدة، ويكون بيان ذلك كالتالي:

1- حرمة دم الإنسان عامة.

2- حرمة دماء أهل الذمة.

3- حرمة دم المسلم.

4- حرمة قتل النفس بيد صاحبها.

وأقوم بإلقاء الضوء على هذه العناصر بما يدعمها من خلال القرآن والسنة.


1-حرمة دم الإنسان عامة:

جاءت نصوصٌ كثيرة في الكتاب والسنة تحرِّم سفك الدماء بوجه عام، وفي هذا ردٌّ على الذين يقولون: إن الإسلام حرَّم دماء المؤمنين والمسلمين، وأباح قتل من سواهم؛ قال تعالى: ﴿ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ ﴾ [المائدة: 32].

 

قال الحسن وقتادة في هذه الآية: هذا تعظيم لتعاطي القتل، قال قتادة: عظُم واللهِ وزرُها، وعظُم واللهِ أجرُها[1].

 

والنفس التي يتحدث عنها القرآن هي نفس الإنسان التي بين جنبيه، فقد جاء عن عمرو بن الحمق: سمعتُ رسول الله يقول: (مَن آمَن رجلًا على دمه فقتَله، فأنا بريء من القاتل وإن كان المقتول كافرًا)[2].

 

وعلَّق الإسلام على ذلك عقابًا أخرويًّا، فإذا أفلت الإنسان في الدنيا، فلن يفلت من عقاب الله في الآخرة، فعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يجيء المقتول بالقاتل يوم القيامة، ناصيتُه ورأسه في يده، وأوداجه تشخب دمًا، يقول: يا رب، قتَلني، حتى يدنيه من العرش)[3].

 

2- حرمة دماء أهل الذمة:

لقد رفَع الإسلام من شأن الإنسان وحفِظ له كرامته وحقَّه في الحياة، وضمِن له الحياة الحرة الكريمة، ورَد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إلا مَن قتَل نفسًا معاهدة له ذمة الله وذمة رسوله، فقد أخفر بذمة الله، فلا يُرَح رائحة الجنة، وإن ريحَها ليوجد على مسيرة سبعين خريفًا) [4].

وعن أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قتل معاهدًا في غير كُنهه، حرَّم الله عليه الجنة) [5].

 

3- حرمة دم المسلم:

قتلُ النفس المؤمنة من أعظم الحُرمات التي ترتكَب على وجه الأرض، فللمسلم حرمةٌ عظيمة، فلا يحل لأحدٍ قتله أو سفك دمه، أو انتهاك حرمته؛ قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 93].

 

لذلك كان الرسول الكريم يشدِّد على حرمة دم المسلم؛ فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ رَجُلٌ زَنَى بَعْدَ إِحْصَانٍ فَإِنَّهُ يُرْجَمُ وَرَجُلٌ خَرَجَ مُحَارِبًا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ أَوْ يُصْلَبُ أَوْ يُنْفَى مِنْ الْأَرْضِ أَوْ يَقْتُلُ نَفْسًا فَيُقْتَلُ بِهَا"[6].

 

وبلَغ من حُرمة نفس المؤمن عند الله تعالى أنه أشدُّ حرمة من الكعبة المشرفة على مالها من مكانة وحرمة في الإسلام، رُوِي عن ابن عباس - وعَبْدُاللَّهِ بْنُ عُمَرَ - رضي الله عنهم، قَالَ: (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ وَيَقُولُ: مَا أَطْيَبَكِ وَأَطْيَبَ رِيحَكِ، مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَحُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ حُرْمَةً مِنْكِ مَالِهِ وَدَمِهِ، وَأَنْ نَظُنَّ بِهِ إِلَّا خَيْرًا)[7].

 

ومن هنا تظهر مكانة المؤمن عند الله عز وجل، وما عظَّمه الله لا ينبغي أن يحقره إنسان؛ بل ينبغي الوقوف عند حدود الله وأوامره.

 

4- حرمة قتل النفس بيد صاحبها:

لقد بلغ حفاظُ الإسلام على النفس مبلغًا عظيمًا؛ حتى إنه من شدة حفاظه عليها لم يجعل الحق لصاحبها في إتلافها؛ بل توعَّد فاعلَ ذلك العذابَ الأليم، ومن الأحاديث التي وردت في هذا الشأن ما جاء عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الَّذِي يَخْنُقُ نَفْسَهُ يَخْنُقُهَا فِي النَّارِ، وَالَّذِي يَطْعُنُهَا يَطْعُنُهَا فِي النَّارِ) [8].

 

وعن أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ، فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِسُمٍّ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا)[9].

 

من هذا يتبيَّن أن الإنسان لا يملِك رُوحه التي بين جنبيه، فهي ملكٌ لخالقهِ، وهي من شأنِه وحدَه جلَّ في علاه، فلقد حفظ الإسلام كيانَ الإنسان من عبث الآخرين، ومن عبث نفسه أيضًا.

 

وبعد هذه الإطلالة ومن خلال استقراء الآيات والأحاديث، يُمكن إجمال المضار التي يُحدثها سفك الدم الحرام على الفرد والمجتمع والإنسانية جمعاءَ:

أولًا: أن في قتل المسلم بغير حق اعتداءً على المجتمع كله.

ثانيًا: أن القتل وسفك دم الأبرياء مَجلبة لسخط الرب تعالى.

ثالثًا: أن من سفك دم مسلمٍ بريء متعمدًا ومستحلًّا لذلك، فقد أوجب الله له النار، خالدًا فيها.

رابعًا: أن القتل كبيرة من كبائر الذنوب.

خامسًا: أن المنتحر قاتلَ نفسه من أهل النار.

سادسًا: أن من حمل السلاح على المسلمين، عَدَّه النبي صلى الله عليه وسلم من غير المسلمين.

سابعًا: أن المسلم في سَعة، فإذا ما أصاب دمًا حرامًا، فقد ضيَّق على نفسه في الدنيا والآخرة.

ثامنًا: أن حرص المسلم على قتل أخيه يجعله في النار؛ حتى وإن لم يقتله فعلًا.

تاسعًا: أن سفك دم المسلمين، والاقتتال بينهم - عادة من عادات الجاهلية التي نهانا الإسلام عنها) [10].



[1] تفسير ابن كثير.

[2] صحيح ابن حبان، (ج 25 / ص 1) حديث رقم (6082).

[3] أخرجه الترمذي رقم (3029)، والنسائي رقم (7 /87).

[4] أخرجه ابن ماجه، حديث رقم ( 2678)، وسنن النسائي، حديث رقم (4668).

[5] سنن أبي داود، حديث رقم ( 2757).

[6] سنن أبي داود، حديث رقم (3789)، وسنن النسائي، حديث رقم (3980).

[7] سنن ابن ماجه، حديث رقم (3922)، وسنن الترمذي، حديث رقم (1955).

[8] صحيح البخاري، حديث رقم (1276).

[9] سنن الترمذي، حديث رقم (1967).

[10] موقع إمام المسجد من خطبة بعنوان: ( حرمة سفك الدماء).



رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/130135/#ixzz6qdaSm3Nz

رمضان وما ينبغي من الاستعداد له

 

رمضان وما ينبغي من الاستعداد له

 

من الأزمنة الفاضلة التي يجتمع فيها من الطاعات وأبواب الخير ما لا يجتمع في غيرها من الشهور، شهر رمضان المبارك، ففيه شرف الزمان، وشرف الإنسان حيث يعتني الإنسان بغذاء روحه، ويسمو عن عالم الشهوات، يربي نفسه، ويرقى بروحه، وينعم بزيادة الأجر، ومضاعفة الحسنات، حيث يتعرض لنفحات الله عز وجل.

 

فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: « افْعَلُوا الْخَيْرَ دَهْرَكُمْ، وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللَّهِ، فَإِنَّ لِلَّهِ نَفَحَاتٍ مِنْ رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَسَلُوا اللَّهَ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَاتِكُمْ، وَأَنْ يُؤَمِّنَ رَوْعَاتِكُمْ»[1].


فهو موسم الخيرات، وموضع النفحات، ضيف كريم، وزائر عزيز، فحريٌ بالمسلم أن يستبشر بقدومه، وأن يحتفي بلقائه.

 

وأن يشكر نعمة الله عليه أن بلغه موسم الرحمات، والمغفرة، والعتق من النيران.

 

المحروم حقًا من حرم هذا الخير، ولكي يحسن الإنسان الاستعداد لهذا القادم الكريم، لا بد أن يتهيأ لقدومه، وأن يستحضر في ذهنه اغتنام هذا الشهر بشتى أنواع الطاعات.

 

ومن هذه الأمور التي ينبغي الاستعداد بها:

1- الدعاء ببلوغ شهر رمضان:

من الأمور المهمة التي تبعث على الاستعداد لهذا الشهر الكريم الدعاء ببلوغ هذا الشهر؛ لأن بلوغ الشهر الكريم فرصة كبيرة للتزود من العبادة، وفرصة كبيرة للتزود من التقوى.

 

روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو ببلوغ رمضان فكان إذا دخل رجب يقول: "اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان" خرجه الطبراني وغيره من حديث أنس.

 

قال معلى بن الفضل: كانوا يدعون الله تعالى ستة أشهر أن يبلغهم رمضان يدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم وقال يحيى بن أبي كثير كان من دعائهم: اللهم سلمني إلى رمضان وسلم لي رمضان وتسلمه مني متقبلا[2].

 

2- استحباب التهنئة بهذا الشهر والفرح بقدومه:

الفرح بقدوم رمضان من باب تعظيم شعائر الله عز وجل، وتعظيم الأمر من تعظيم الآمر، واستشعار منة الله على عباده.

 

والله عز وجل يقول: ﴿ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الحج: 32].

 

روى الإمام أحمد والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه يقول: "قد جاءكم شهر رمضان شهر مبارك كتب الله عليكم صيامه فيه تفتح أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب الجحيم وتغل فيه الشياطين فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم".

 

قال بعض العلماء: هذا الحديث أصل في تهنئة الناس بعضهم بعضًا بشهر رمضان كيف لا يبشر المؤمن بفتح أبواب الجنان، كيف لا يبشر المذنب بغلق أبواب النيران، كيف لا يبشر العاقل بوقت يغل فيه الشياطين، من أين يشبه هذا الزمان زمان؟![3].

 

ربما يرى البعض أن الفرح بقدوم الشهر من البدهيات، فكيف يحسن التنبيه عليه؟!

 

ولكنَّ الواقع يُحدث أن هناك من يستثقل قدومه، ويتمنى زواله، ويعزم على المعصية بل ويُعدُّ لها بعد انتهائه!!

 

وذلك لتوسعهم في الملذات كالذي قال:

رمضان ولى هاتها يا ساقي *** مشتاقة تسعى إلى مشتاق

 

يقول ابن رجب-رحمه الله-: (ومن كانت هذه حاله فالبهائم أعقل منه وله نصيب من قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا ﴾ [الأعراف: 179]

 

وربما كره كثير منهم صيام رمضان حتى إن بعض السفهاء من الشعراء كان يسبه وكان للرشيد ابن سفيه فقال مرة:

دعاني شهر الصوم لا كان من شهر 
ولا صمت شهرًا بعده آخر الدهر 
فلو كان يعديني الأنام بقدرة 
على الشهر لاستعديت جهدي على الشهر 

 

فأخذه داء الصرع فكان يصرع في كل يوم مرات متعددة ومات قبل أن يدركه رمضان آخر وهؤلاء السفهاء يستثقلون رمضان لاستثقالهم العبادات فيه من الصلاة والصيام فكثير من هؤلاء الجهال لا يصلي إلا في رمضان إذا صام وكثير منهم لا يجتنب كبائر الذنوب إلا في رمضان فيطول عليه ويشق على نفسه مفارقتها لمألوفها فهو يعد الأيام والليالي ليعودوا إلى المعصية وهؤلاء مصرون على ما فعلوا وهم يعلمون فهم هلكى ومنهم من لا يصبر على المعاصي فهو يواقعها في رمضان[4]. نسأل الله السلامة.

 

3- استشعار قيمة الزمن ونعمة بلوغ رمضان:

الزمن نعمة من الله عز وجل لمن يغتنمه، ونقمة عليه إن لم يحسن استغلاله، وربما لا يشعر الإنسان بقيمة الزمن إلا إذا غادر الحياة، فلو قدر لنا أن نسأل الموتى ماذا تتمنون؟ لتمنوا يومًا من رمضان، لأنهم عاينوا الحقيقة، وعلموا قيمة اليوم.

 

فمن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه.

ومن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه.

ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه.

ولله عتقاء من النار في كل ليلة!!

أي فضل هذا!

المغفرة تغمرك من كل جانب، فحقُ من حُرم من هذه أن يكون محرومًا.

 

يقول ابن رجب رحمه الله: بلوغ شهر رمضان وصيامه نعمة عظيمة على من أقدره الله عليه ويدل عليه حديث الثلاثة الذين استشهد اثنان منهم ثم مات الثالث على فراشه بعدهما فرؤي في المنام سابقا لهما فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أليس صلى بعدهما كذا وكذا صلاة وأدرك رمضان فصامه؟! فو الذي نفسي بيده إن بينهما لأبعد مما بين السماء والأرض" خرجه الإمام أحمد وغيره من رحم في رمضان فهو المرحوم ومن حرم خيره فهو المحروم ومن لم يتزود لمعاده فيه فهو ملوم.

 

أتى رمضان مزرعة العباد 
لتطهير القلوب من الفساد 
فأد حقوقه قولا وفعلا 
وزادك فاتخذه للمعاد 
فمن زرع الحبوب وما سقاها 
تأوه نادمًا يوم الحصاد[5]

 

4-  الحذر من قطاع الطريق:

هناك موانع وحُجُب تحجب الإنسان عن الله عز وجل وتقطع عليه طريقه، تدعوه للشر وتبعده عن الخير.

ومن المعلوم أن مصادر الشر تتمثل في مصادر خارجية: الدنيا وإبليس.

 

ومصادر داخلية: النفس ويدخل في النفس ما يتعلق بأمراض القلوب، والهوى وينسب إليه كل الانحرافات الفكرية.

 

ولله در القائل:

إني ابتليت بأربع ما سلطوا 
إلا لشدة شقوتي وعنائي 
إبليس والدنيا ونفسي والهوى 
كيف الخلاص وكلهم أعدائي 

 

لكن طريق خلاص عند المسلم معلومة، وهي الاستعانة بالله عز وجل، يستعين به على طاعته.

قال تعالى: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5].

 

وكما يقول ابن رجب - رحمه الله -: (فَمَنْ أَعَانَهُ اللَّهُ، فَهُوَ الْمُعَانُ، وَمَنْ خَذَلَهُ فَهُوَ الْمَخْذُولُ)[6].


لكن من الملاحظ في هذا الشهر أن الدنيا مهيأة لهذه الفريضة، والشياطين تصفد وتسلسل وتغل، أو يضيق عليها مجاري الدم فتضعف الشياطين باعتبار من قال أن التصفيد يكون لمردة الجن وليس للقرناء وهذا ما يفسر وجود بعض الشر في رمضان.

(فيا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر)

فسبيل الخير سهل ميسور مُعانٌ صاحبه.

فإذا استمر الإنسان على الشر دل على تأصل الشر في نفسه.

مكامن الشر ضعفت لكن بقيت النفس الأمارة بالسوء، بقيت عوامل أخرى كالهوي.

وهذه تحتاج إلى الجهاد الأكبر، جهاد النفس.

 

وما النفس إلا حيث يجعلها الفتى *** فإن أطمعت تاقت وإلا تسلت[7]


وقال عمرو بن العاص: المرء حيث يجعل نفسه إن رفعها ارتفعت وإن وضعها اتضعت. وقال بعض الحكماء: النفس عروفٌ عزوفٌ، ونفورٌ ألَوفٌ متى ردعتها ارتدعت ومتى حملتها حملت وإن أصلحتها صلحت وإن افسدتها فسدت[8].


والنفس راغبة إذا رغبتها *** وإذا تردّ إلى قليل تقنع[9]


أمر آخر ينبغي الانتباه إليه يتمثل في:

    • شياطين الإنس:

      قال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ﴾ [الأنعام: 112].

       

      وعن أبي ذر، أنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس قد أطال فيه الجلوس، قال فقال: يا أبا ذر، هل صلَّيت؟ قال قلت: لا يا رسول الله. قال: قم فاركع ركعتين. قال: ثم جئت فجلستُ إليه فقال: يا أبا ذر، هل تعوَّذت بالله من شرِّ شياطين الإنس والجن؟ قال قلت: يا رسول الله، وهل للإنس من شياطين؟ قال: نعم، شرٌّ من شياطين الجن![10].


      قَالَ قَتَادَةُ وَمُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ: إِنَّ مِنَ الْإِنْسِ شَيَاطِينٌ كَمَا أَنَّ مِنَ الْجِنِّ شَيَاطِينٌ، وَالشَّيْطَانُ: الْعَاتِي الْمُتَمَرِّدُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.

       

      وَقَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ: إِنَّ شَيَاطِينَ الْإِنْسِ أَشَدُّ عَلَيَّ مِنْ شَيَاطِينِ الْجِنِّ، وَذَلِكَ أَنِّي إِذَا تَعَوَّذْتُ بالله ذهب عني شياطين الْجِنِّ، وَشَيْطَانُ الْإِنْسِ يَجِيئُنِي فَيَجُرُّنِي إِلَى الْمَعَاصِي عِيَانًا[11].


      وإن كان بعض المفسرين[12] يرى أنَّ كلا الفريقين من شياطين الجن، غير أنه فريق يختص بالجن وآخر بالإنس؛ لكن رد الإمام الطبري -رحمه الله– بما يشفي الصدور، وبما يزيل الإشكال.

       

      فقال: قال أبو جعفر: جعل عكرمة والسدي في تأويلهما هذا الذي ذكرت عنهما، عدوّ الأنبياء الذين ذكرهم الله في قوله: (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوًّا)، أولادَ إبليس، دون أولاد آدم، ودون الجن وجعل الموصوفين بأن بعضهم يوحي إلى بعض زخرف القول غرورًا، ولدَ إبليس، وأن مَنْ مع ابن آدم من ولد إبليس يوحي إلى مَنْ مع الجن من ولده زخرفَ القول غرورًا.

       

      وليس لهذا التأويل وجه مفهوم، لأن الله جعل إبليس وولده أعداءَ ابن آدم، فكل ولده لكل ولده عدوّ. وقد خصّ الله في هذه الآية الخبر عن الأنبياء أنه جعل لهم من الشياطين أعداءً. فلو كان معنيًّا بذلك الشياطين الذين ذكرهم السدي، الذين هم ولد إبليس، لم يكن لخصوص الأنبياء بالخبرِ عنهم أنه جعل لهم الشياطين أعداءً، وجهٌ. وقد جعل من ذلك لأعدى أعدائه، مثل الذي جعل لهم. ولكن ذلك كالذي قلنا، من أنه معنيٌّ به أنه جعل مردة الإنس والجن لكل نبي عدوًّا يوحي بعضهم إلى بعض من القول ما يؤذيهم به[13].

       

      ثم ساق الحديث السابق ذكره عن أبي ذر-رضي الله عنه.

      ونحن نرى في الواقع شياطين الإنس تتمثل في أجهزة الإعلام المختلفة التي تعمل على إفساد صوم الصائمين، وقيام القائمين، وذكر الذاكرين، وتلاوة التالين.

       

      فينبغي على العاقل أن يتنبه لمن يريد أن يقطع عليه سيره إلى الله -عز وجل- وأن يتخلص من العوائق والعلائق والصوارف والحجب المانعة عن ساحات الخير.

       

      5- التخطيط الجيد لاغتنام الشهر:

      إذا لم يضع الإنسان خطة لاغتنام الشهر، وحرص على تطبيقها من تنويع الطاعات:(ذكر لله تعالى، وقيام الليل، وعدد من ختمات القرآن الكريم، وإفطار للصائمين، وكثرة الدعاء، وصلة الأرحام، وإخراج للصدقات.. إلخ). لا شك أن الشهر سيمر عليه دون أن يشعر به، وندم حيث لا ينفع الندم.

       

      والحكمة تقول: إذا لم تخطط خُطِطَ لك، ومالا يخطط لا ينفذ.

      فينبغي على العاقل أن يستعد ذهنيًا ونفسيًا وروحيًا، لاغتنام هذا الشهر الكريم، وأن يُعدَّ له العدة.

      قال تعالى: ﴿ وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً ﴾ [التوبة: 46].

       

      يقول ابن القيم - رحمه الله -: (حذارِ حذارِ من أمرينِ لهما عواقبُ سوءٍ:

      أحدهما: ردُّ الحقِّ لمخالفته هواك، فإنك تعاقَبُ بتقليب القلب، وردّ ما يَرِدُ عليك من الحق رأسًا، ولا تقبله إلا إذا برز في قالب هواك، قال تعالى: ﴿ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾ [الأنعام: 110] فعاقبهم على ردِّ الحق أول مرة بأن قلَّب أفئدتهم وأبصارهم بعد ذلك.

       

      والثاني: التهاون بالأمر إذا حضر وقتُه، فإنك إن تهاونت به ثَبَّطك الله وأقعدَك عن مراضيه وأوامره عقوبةً لك.

      قال تعالى: ﴿ فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ ﴾ [التوبة: 83].

       

      فمن سلِمَ من هاتينِ الآفتينِ والبليَّتين العظيمتينِ فَلْتَهْنِهِ السَّلامةُ.)[14].


      سلمنا الله وإياكم من التخذيل والتثبيط، وإذا كان الإنسان في أمور الدنيا لا يدع صغيرة ولا كبيرة إلا وأخذ لها أُهبة الاستعداد، والحيطة واليقظة، واستعان بأهل الخبرة، حتى يخرج الأمر على أكمل الوجوه وأتمها، فهو في حق الآخرة أحق وأولى.

       

      6-  رمضان بين الترغيب والترهيب:

      من الدوافع التي ينبغي أن يضعها الإنسان نصب عينيه في هذا الشهر، أن يتذكر المرغبات التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث شتى.

       

       للصائم دعوة لا ترد

      • مغفرة للذنوب

      • عتق من النيران

      • جزاء بلا حساب، أخفاه الله عن عباده لعظمه. كما في الحديث القدسي: (إِلا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ)[15].

      • باب في الجنة يقال له: الريان يدخل منه الصائمون فقط

      • شفيع للعبد يوم يفر منه أقرب الناس إليه.

      • فرح العبد بلقاء الله تعالى.

       

      • ليلة خير من ألف شهر، والألفاظ في السنة دقيقة لم يقل تساوي، وإنما قال (خير) وهي في اللغة اسم تفضيل، بمعنى أفضل من ألف شهر.

       

      • اختصاص الله لهذا الشهر أن تتنزل فيه الكتب السماوية جميعًا وليس القرآن فحسب.

       

      فإذا لم يسرع العبد إلى الله عزوجل على أجنحة من الشوق، كان الأمر الآخر: سيق إليه بسياط من الرهبة.

      فإذا لم يتحرك الإنسان إلى الله تعالى خشي من الخسارة التي لا يعوضها شيء بعدها.

       

      وهي: وصفه بالحرمان. فمن هو المحروم؟

      • من حرم خير ليلة القدر فهو المحروم. ليس من فاته المال، أو المنصب، أو الجاه، أو الولد؛ لأن الحرمان من هذه الأشياء مؤقت، أما الحرمان الآخر فهو أبدي.

       

      • مَن أُبعد عن الجنة. وهل بعد هذه خسارة؟!.

      الفرصة ما زالت قائمة: قال الحسن البصري رحمه الله تعالى في قوله عز وجل: ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ﴾ [الفرقان:62] قال: من عجز بالليل كان له من أول النهار مستعتب، ومن عجز بالنهار كان له من الليل مستعتب.

       

      أي: يستدرك، ويعوض في أحدهما ما يفوته في الآخر.

       

      ختامًا:

      كان مطرف يقول في دعائه: اللهم ارض عنا فإن لم ترض عنا فاعف عنا من عظمت ذنوبه في نفسه لم يطمع في الرضا وكان غاية أمله أن يطمع في العفو ومن كملت معرفته لم ير نفسه إلا في هذه المنزلة.

       

      يا رب عبدك قد أتا 
      ك وقد أساء وقد هفا 
      يكفيه منك حياؤه 
      من سوء ما قد أسلفا 
      حمل الذنوب على الذنو 
      ب الموبقات وأسرفا 
      وقد استجار بذيل عفو 
      ك من عقابك ملحفا 
      رب اعف وعافه 
      فلأنت أولى من عفا[16] 

       


      [1] رواه الطبراني بسند حسن.

      [2] لطائف المعارف لابن رجب (ص: 148).

      [3] لطائف المعارف لابن رجب (ص: 148).

      [4] لطائف المعارف لابن رجب (ص: 146).

      [5] لطائف المعارف لابن رجب (ص: 148).

      [6] جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (1/ 482).

      [7] البيت من قصيدة بعنوان: صبرت على الأيام لما تولت، للشاعر الأديب: الحاجب المصحفي، جعفر بن عثمان بن نصر، أبو الحسن، الحاجب المعروف بالمصحفي. من شعراء الأندلس.

      [8] تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار، عبد الرحمن بن حسن الجبرتي المؤرخ (المتوفى: 1237هـ)، (1/ 24)

      [9] البيت من قصيدة لأبي ذؤيب الهذلي يرثي بها أبناءه، وهو من الشعراء المخضرمين أدرك الجاهلية والإسلام.

      [10] مسند الإمام أحمد (5: 178، 179). وذكر ابن كثير طرقًا أخرى للحديث ثم قال: ((فهذه طرق لهذا الحديث، ومجموعها يفيد قوته وصحته، والله أعلم)) .

      [11] معالم التنزيل في تفسير القرآن = تفسير البغوي - إحياء التراث (2/ 153).

      [12] قَالَ عِكْرِمَةُ وَالضَّحَّاكُ وَالسُّدِّيُّ وَالْكَلْبِيُّ: مَعْنَاهُ شَيَاطِينُ الْإِنْسِ الَّتِي مَعَ الْإِنْسِ، وَشَيَاطِينُ الْجِنِّ الَّتِي مَعَ الْجِنِّ، وَلَيْسَ لِلْإِنْسِ شياطين، وذلك أن إبليس قسم [4] جُنْدَهُ فَرِيقَيْنِ فَبَعَثَ فَرِيقًا مِنْهُمْ إِلَى الْإِنْسِ وَفَرِيقًا مِنْهُمْ إِلَى الْجِنِّ، وَكِلَا الْفَرِيقَيْنِ أَعْدَاءٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَوْلِيَائِهِ، وهم يَلْتَقُونَ فِي كُلِّ حِينٍ، فَيَقُولُ شَيْطَانُ الْإِنْسِ لِشَيْطَانِ الْجِنِّ:

      أَضْلَلْتُ صَاحِبِي بِكَذَا فَأَضِلَّ صَاحِبَكَ بِمِثْلِهِ، ويقول شَيَاطِينُ الْجِنِّ لِشَيَاطِينِ الْإِنْسِ كَذَلِكَ، فَذَلِكَ وَحْيُ بَعْضِهِمْ إِلَى بَعْضٍ. راجع: تفسير البغوي - (2/ 153).و تفسير الطبري (12/ 53).

      [13] تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (12/ 53).

      [14] بدائع الفوائد ط عالم الفوائد (3/ 1128).

      [15] رواه البخاري من حديث أبي هريرة: (5927)

      [16] لطائف المعارف لابن رجب (ص: 206).



      رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/145824/#ixzz6qdWOpmmj
      جميع الحقوق محفوظة © 2013 الحصون الفكرية